مفهوم الأمية أصبح أكثر شمولية وأعم من مجرد الحصول على كفاية القراءة والكتابة والحساب، بل أصبح يشمل تقنيات المعلومات والاتصالات والأجهزة الإلكترونية التي أصبحت من صميم حياتنا مع توسع انتشار الحوكمة الإلكترونية والتعاملات الرقمية عن بُعد، ولهذا العالم اليوم يصب الجهود على محو الأمية الرقمية “الإلكترونية”.

يشير الإلمام الرقمي Digital literacy‏ بحسب Jenkins and Henry (2009) إلى قدرة الفرد على العثور على معلومات واضحة وتقييمها وتكوينها من خلال الكتابة والوسائط الأخرى على مختلف المنصات الرقمية.
يقول المفكر الأميركي ألفين توفلر «الأميون في القرن الحادي والعشرين ليسوا أولئك الذين لا يستطيعون القراءة والكتابة، بل أولئك الذين لا يستطيعون التعلم، ونقض ما تعلموه، ومعاودة التعلم من جديد»، وسبقه إلى هذا المفهوم قبل أكثر من ألف عام المفكر العربي محمد بن عبد الجبار بن حسن النفري، بقوله «العلمُ المستقر، جَهْلٌ مستقر».

يلجأ بعض الباحثين إلى تقسيم الإلمام الرقمي بحسب الأداء الاقتصادي والاجتماعي للدول بين دول العالم المتقدم والنامي فيما يتعلق بالوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واستخدامها لاسيما أجهزة الحواسيب والبرمجيات والإنترنت، فهناك فرص كبيرة للنوع الأول للوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مما يعني تمتعهم بمهارات رقمية عالية مقارنة بمهارات تقنية محدودة للنوع الثاني في الدول النامية.

هناك تقسيم من نوع آخر أيضاً حسب العامل الديمغرافي -العمر- يعرف بالناس الرقميون والمهاجرون الرقميون، وقد ابتكر هذا التقسيم الباحث مارك برينسكي، حيث عرّف الناس الرقميون بأولئك الذين ولدوا في العصر الرقمي، بينما يعرف المهاجرون الرقميون الذين تعلموا مهارات رقمية مناسبة في وقت لاحق من الحياة. تشير الإحصاءات إلى أن المهاجرون الرقميون أغلبهم من المسنين، فمثلاً في كندا عام 2010 وجد أن 29% من من مواطنيها بعمر 75 ومافوق ، و60% من مواطنيها الذين تتراوح أعمارهم بين 65-74 قد تصفحوا الإنترنت في الشهر الماضي بمقابل وصول نشاط الإنترنت إلى 100% تقريباً بين مواطنيها الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاماً.

تزايدت الحاجة إلى محو الأمية الرقمية بشكل غير مسبوق في بداية الألفية الثالثة، وخصوصاً بعد دخول التقنية إلى جميع مجالات الحياة لا سيما الاقتصادية منها، ولم يعد استخدام التقنية من أجل أغراض الترفيه واللعب والتواصل الاجتماعي فقط، بل أصبحت تقنية المعلومات والاتصالات توظف في بيئة الأعمال كالتجارة الإلكترونية والتسويق الإلكتروني والمدفوعات الرقمية والمعاملات الإلكترونية، وفي ظل انتشار وباء كوفيد 19 لم يعد اختيار التقنية أمراً اختيارياً بل أصبحت حاجة ملحة وضرورة حيوية للحكومات والمؤسسات وأصحاب الأعمال على حد سواء، فدخلت التقنية إلى التعليم والصحة والخدمات والأعمال بشكل سريع ومتزايد، فمثلاً فلم يعد مقبولاً وجود معلماً لا يتقن التدريس عبر الإنترنت ، أو موظفاً لا يستطيع تقديم خدمات مؤسستة عبر الإنترنت، كما لم يعد مقبولاً أن تبقى الخدمات الحكومية تقدم بشكل مباشر في ظل ظروف الإغلاق والتباعد الإجتماعي، ولم تعد مؤسسات القطاع الخاص قادرة على الاستمرار والمنافسة إذا لم تستطع أن تكون موجودة عبر الفضاء الإلكتروني وتقدم خدماتها عبر مواقعها الرسمية وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبناء عليه تظهر ضرورة تمتع الموظفين والباحثين عن فرص عمل بمهارات تقنية تمكنهم من مواكبة التطور السريع الحاصل في بيئة الأعمال، وقد بينت إحدى الدراسات أن ثمانية من أصل عشر وظائف متوسطة المستوى في وقتنا الراهن تتطلب مستوى أساسياً من المعرفة الرقمية في العمل.
كما أصبحت هذه الحاجة ملحة لربات المنازل وكبار السن والمتقاعدين ولجيمع فئات المجتمع الأخرى لأغراض متعددة مثل المدفوعات الإلكترونية لمشترياتهم وفواتير خدماتهم والتسوق الإلكتروني الذي أصبح معظم الناس مجبرين عليه في ظل ظروف الإغلاق، وإنجاز معاملاتهم الحكومية في ظل توجة معظم الحكومات إلى تقديم خدماتها عبر الفضاء الإلكتروني.

 

قلم الدكتور :صالح بن محمد خير الكعود
باحث وطالب دكتوراه في تنمية الموارد البشرية
الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا