صدق الحقّ سبحانه حين قال: “بَلِ الْإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ “. (سورة القيامة، آية 14 -15).
الكثير من الناس يتخبط في حياته، ويلقي اللّوم والأعذار على الظروف والأحوال؛ ليرفع عن نفسه المسؤولية، ويبرّر لنفسه الروتين الذي سيطر على حياته، ولكنه في قرارة نفسه يدرك أنه يتحمل جزءًا كبيراً من حياته، ولكن يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: ما الكيفية التي تخوّلنا لأن نسيطر على حياتنا، وتوجيه طاقاتنا لتحقيق طموحاتنا وأهدافنا؟
لكي نبيّن الصورة بشكل أوضح، دعُونا أولاً نفهم ما دائرة التأثير ودائرة الاهتمام في حياتنا؟

طرَح هذين المصطلحين الكاتب الأمريكي المعروف “ستيفن كوفي” في كتابه الشهير “العادات السبع الأكثر فعالية”؛ حيث أوضح أن تفكير الإنسان وجهوده ووقته ينصبّ في دائرتين هما: دائرة التأثير ودائرة الاهتمام.

فأمّا دائرة التأثير أو التحكّم فتشير إلى المحيط الذي يعيش في الفرد، ويؤثّر فيه مباشرة، وتقع هذه الدائرة تحت سيطرته وتحكّمه؛ إذْ يستطيع الفرد مثلاً أن يختار ما يقرأ، ما يعمل، ماذا يشتري، أين ينفق وقته، والمهارة التي يريد أن يتعلمها وهكذا.
فكلّ ما يدخل ضمن دائرة الاختيار لدى الإنسان؛ فهو يستطيع التحكم به والسيطرة عليه.

وأمّا دائرة الاهتمام فهي الدائرة الأوسع نطاقاً، وتحيط بالإنسان بشكل أكبر وبشكل غير مباشر، وهي الدائرة التي تخرج عن سيطرة الفرد، كحالة الطقس، ظروف الاقتصاد، الأمراض، الأزمات، وغيرها من الظروف التي لا يستطيع الإنسان التأثير فيها أو السيطرة عليها، فهي خارج دائرة تأثيره، ولكن تقع ضمن دائرة اهتمامه كونها تمسّ حياته بشكل غير مباشر.
إذاً فإين تكمن المشكلة؟

يشير الكاتب ستفين كوفي إلى أن بعضاً من الناس يركّز على دائرة التأثير أكثر، وبناء عليه يشغل حيّزاً من تفكيره ووقته وطاقته فيها، ومن ثَمَّ في هذه الحالة سيكون أكثر سيطرةً وتحكّماً في حياته؛ لأنه يتصرّف ضمن الدائرة التي تقع تحت تأثيره، ويملك القدرة على التغيير فيها وتحسينها وتطويرها بما يخدم أهدافه وتطلّعاته، وهكذا فهو أكثر إيجابيةً واتّزاناً وطاقةً.

وأمّا الجزء الآخر من الناس الذي يصبّ تركيزه على دائرة الاهتمام، فإنه يُصاب بالقلق الدائم بالأشياء التي لا يمكن التحكم بها أو السيطرة عليها، وهكذا يضعف تحكّمه في نفسه وحياته، ويُصاب بأمراض العصر، مثل القلق، التوتّر، الكآبة، وغيرها من الأمراض النفسية.

ويجب معرفة أن هاتين الدائرتين لهما تأثير متعاكس في حياة الإنسان، فكلّما زاد التركيز على دائرة التأثير قلّ التركيز على دائرة الاهتمام، وهنا يصبح الإنسان أكثر قدرةً واتّزاناً وتحكّماً في حياته، وكلّما كبرت مساحة الاهتمام تقلّصت دائرة التأثير، وهنا ستضعف قدرة الإنسان على تسيير أمور حياته، ويصبح أكثر عرضةً لفقدان الاتّزان والتحكّم والسيطرة، ويكون أكثر سلبيةً وتوتّراً وقلقاً.

تشير الإحصاءات إلى أنّ استجابة الناس للظروف المحيطة تختلف بحسب طبيعتهم، فالأشخاص المبادرون هم أشخاص فاعلون، ويرون أنّ لأفعالهم تأثيراً كبيراً في حياتهم وظروفهم، ومن ثَمَّ تحكّمهم في أفعالهم سيغيّر حياتهم إلى الأفضل، وتشغل دائرة التأثير 90% من تركيزهم ووقتهم وجهدهم، ويتحمّلون مسوؤلية حياتهم، ويواجهون ظروفهم بشجاعة، ويعملون على تحسينها، وبناء عليه يمتلكون القدرة على التأثير في أنفسهم ومحيطهم.

وأمّا الأشخاص الانفعاليون فهم الأشخاص الذين تغلب عليهم السلبية، ويلقون الأعذار باستمرار، ويأتي سلوكهم كردّ فعل لما يحدث، ويفتقدون القُدرة على التحكّم في زمام أمورهم، ولا يؤمنون بقدرتهم على التغيير؛ نظراً لأن جُلّ تركيزهم على الظرووف الكبيرة الخارجة عن سيطرتهم، فيشعرون بالإحباط لعدم قدرتهم على التحكّم فيها.
وتشغل دائرة الاهتمام 90% من وقتهم وجهدهم.
فما الحلّ إذاً؟
إليك هذه القاعدة الذهبية في التحكم في الذات، في كل أمر تواجهه في حياتك لديك خياران، إمّا أن تتقبّل هذا الظرف، وإمّا أن تسعى إلى تغييره، فأمّا في الأمور التي تقع تحت دائرة تأثيرك فهنا لا بدّ أن تكون شخصاً مبادراً، وتبدأ مباشرةً في بذل الأسباب لتغيّر الظرف أو الحالة التي تواجهك؛ لأنها تقع تحت دائرة تأثيرك، ومن ثمَّ تملك القدرة على التحكم والتأثير فيها.

وأما في الظروف التي لا تستطيع التأثير فيها، وتقع تحت دائرة الاهتمام، فيجب أن تتقبلها، وترضى بها، وتتعايش معها؛ وذلك للحفاظ على صحتك واتّزانك وطاقتك التي تحتاجها.
وتذكّر دائماً قول الحقّ سبحانه: ” لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا “. (سورة البقرة: من الآية 286).
قم بما تستطيع فعله، وأما ما لا تستطيع فعله فارضَ به، وتقبّله، ووكّل أمره للمدبّر سبحانه؛ فهو أَولى وأحكم وأعلم.

 

بقلم الدكتور :صالح بن محمد خير الكعود
باحث وطالب دكتوراه في تنمية الموارد البشرية
الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا

اترك تعليقاً